دراسة| دائرة الخنق .. هل يؤثر الانهيار الهيكلي للتنظيم الإخواني على نشاطه الإرهابي؟
عادة ما كان ينظر إلى تجربة الحركات الإسلامية في مصر منذ مطلع السبعينيات وصولا للعام 2012 ووصول تنظيم الإخوان للحكم بأنها تجربة تمتزج فيها تكتيكات الكمون والمناورة السياسية الجيدة مقارنة بنموذج الجزائر والسودان على سبيل المقاربة لا الحصر.
حيث تسيد تنظيم الإخوان المسلمون المشهد التنظيمي والسياسي إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير، ونجح التنظيم عبر ارتباطاته الإقليمية والدولية في الحصول على دعم غربي لتثبيت قبوله في السلطة المصرية وسائر البلدان التي بدت تواكب تبعات موجات الربيع العربي.
وما عزز هذا الاتجاه الانتشار الكثيف للتنظيمات المسلحة والإرهابية في المنطقة والإقليم، وبداية موجة المد الرابع لظاهرة الإرهاب العابر للحدود. ما دفع بالعواصم الغربية بقبول وجود كيانات الإخوان المسلمين السياسية في سدة الحكم بدول المنطقة بعدما نجحت الأخيرة في تسويق رديتها كونها بديلا إسلاما معتدلا عن تنظيمات الإرهاب العابر للحدود، وقادرة على لجم تحركاته أو الوصول مع هذه التنظيمات لتفاهمات ضمنية تحول دون تهديدها للمصالح الغربية وإسرائيل تحديدا .
وظهر ذلك في تعهدات تنظيم الاخوان المسلمين بمصر لإسرائيل بعدم الوقوف وراء أية أعمال عدائية تستهدف الإضرار بمصالحها، كما تعهد الرئيس المعزول محمد مرسي لنظيره الإسرائيلي بالمساعدة في إحياء عملية السلام بعد وصوله لمنصب الرئيس بشهر واحد.
واحترام معاهدات السلام، في استدارة مغايرة لما اعتاد على ترديده التنظيم وقطاعاته النخبوية والشعبية منذ التأسيس الأول لجماعة الإخوان عام 1928. إلا أن ال 369 يومة التي قضاها تنظيم الإخوان في الحكم بمصر، كشف القناع خارجيا قبل داخلا عن الوجه الحقيقي للتنظيم وزيف ادعاءاته بالديمقراطية والليبرالية الغربية، وبطلان ردية “البديل” التي لطالما روجتها الأذرع الإعلامية الخاصة بالتنظيم والرتبطة به إقليميا ودوليا.
حيث وضعت ثورة الثلاثين من يونيو تنظيم الإخوان أمام مكاشفة حقيقية أظهرت تجذر أدبيات الحاكمية الإسلامية بنسختها “القطبية المتطرفة في خطابه ونهجه في التعاطي مع الرفض المصري الشعبي لمشروع الإخوان، الذي سعى منذ اللحظة الأولى المحاولة تطويع الهوية والشخصية المصرية بما يخالف ثوابت الأمن القومي للبلاد. وبما يتقاطع مع مصالح القوى الإقليمية غير العربية التي باتت توظف جماعات الإسلام السياسي طبقا لمصالحها الخاصة. فضلا عن انتهاج تنظيم الإخوان للنهج المسلح في الاستجابة لسقوطه المدوي من على سدة الحكم في القاهرة, بما أطاح بالسردية التسويقية “حركات الإسلام السياسي مقابل حركات الإرهاب المسلح.”
حيث هدد قيادي في تنظيم الإخوان، باستمرار النشاط المسلح الذي اندلع في أعقاب بيان “3 يوليو” في حال عدم التراجع عما قررته إرادة الأمة المصرية.
ومنذ ذلك الحين، وبعيدا عن تكون البؤر المسلحة في “رابعة – النهضة”، والتي عكفت الأذرع الإعلامية الإقليمية المرتبطة بجماعة الإخوان على تسويقها كونها حراكا مصريا خالصا يستند للتعبير “السلمي”: بدأت أحداث العنف في مصر تأخذ منحى متصاعدا، بل ومغايرا عما شهدته البلاد المصرية منذ ستينيات القرن
استجابة الجيل الجديد من “الارهاب العابر للحدود”
اتسمت استجابة تنظيم الإخوان لسقوطه المدوي في مصر عام 2013، بالتصادم العنيف والتخبطر بما ينافي ما عرف عن هذا التنظيم وفروعه الفكرية والمؤسساتية من “كمون” و “مناورة” طوال عقود. حيث شهد النصف الثاني من 2013, وقوع 232 عملية إرهابية في حين شهد العام 2014. 182 عملية إرهابية. ولم يكن ذلك الاصطدام العنيف وليد لحظة الصدمة من تراجيدية الأحداث وقصر مده مثوله في سدة الحكم، وإنما كان وليد السيطرة أفكار التيار القطبي التكفيري ضمن القيادات العليا للجماعة والوسيطة, والقاعدة الشبابية فكانت الاستجابة علي المستوى التكتيكي تفصيلا:
- هروب القيادات العليا – الوسطى للسودان وتركيا وقطر والمملكة المتحدة،
- إذ مازالت تحوي هذه واغتيال الشخصيات الأمنية والعسكرية. وكانتا ترتهن للقرار الاستراتيجي لأنقرة.
3. بدء واحدة من أكبر عمليات الحرب النفسية ضد المجتمع المصري، وذلك بعدما توافرت لتنظيم الإخوان
أدوات إعلامية كبري ذات نطاق إقليمي وعالمي، علاوة على توظيفه لأدوات التواصل الاجتماعي لخلق حالة مستمرة من التشكيك في جميع تحركات الدولة المصرية ومؤسساتها لمواجهة تحديات الأمن والتنمية وسط بيئة إقليمية تموج بالصراعات وحركة رائجة للتنظيمات الإرهابية.
كما أعلن المؤشر :أن عدد العمليات الإرهابية انخفض خلال عام واحد بنسبة 375.
5 %، مؤكدا تهاوى عدد العمليات الإرهابية في مصر من 169 عملية إرهابية إلى 5ها عملية فقط نتيجة زيادة نشاط مكافحة التنظيمات الإرهابية في سيناء، وتحديدا ضد العناصر التكفيرية.
كما تجدر الإشارة أن هبوط مؤشر الإرهاب في الحالة المصرية ترافق مع نجاح القوات الأمنية في تصفية العديد من قيادات تنظيم “داعش” في سيناء، وكذلك قيادات الجناح المسلح لتنظيم الإخوان، ولعل أبرزهم القيادي “محمد كمال” الذي قتل في 2016 إثر مداهمة أمنية وكان يشغل منصب الرئيس السابق للجنة الإدارية العليا الجماعة الاخوان المسلمين والعضو السابق بمكتب الارشاد العام للجماعة بمصر.
حيث مثلت الضربات الأمنية المتلاحقة علاوة علي التصدع الجاري بين محور انقرة – الدوحة على القيادة الشاملة الهياكل التنظيم ورسم خطابه الإعلامي: ضربة تسببت في شلل عقل الجماعة ما يثنيها عن التخطيط المتقن التنفيذ عمليات نوعية داخل وادي النيل، فضلا عن نجاح القيادة المصرية في تدمير غرف العمليات الإرهابية في
شرق ليبيا والتي نفذت العديد من عملياتها الإرهابية بالداخل المصري بمساعدة خلايا اللجان النوعية ما يعاظم من صعوبة الاختراق، فضلا عن الإيواء وانعدام خدمات الدعم اللوجيستي، حيث بات جسم الهيكل التنظيمي الجماعة الإخوان بلا رأس حقيقية على الأرض، ما يجعل أنقرة التي باتت تتحكم في مفاصل الجماعة وسبل إعاشتها وإبقائها على قيد الحياة نظريا وعمليا تتردد في إعادة استخدام وتدوير الخلايا النوعية للجان المسلحة كونها قد تحمل في طياتها مزيدا من الانكشاف وتعطي الفرصة مواتية للأجهزة الأمنية المصرية لتسديد ضربات أعمق قد تجهز علي عناصر الهيكل التنظيمي المتداعي والذي دخل في حالة كمون وموت دماغي.