تحت المجهرتحقيقات

“القرضاوي” يعمق الانقسام داخل “تنظيم الحمدين” وينحاز للمعسكر التركي

منذ إجراءات الرباعي العربي الخاصة بمقاطعة قطر في يونيو 2017، وسلسلة الانشقاقات الصامتة الهاربة من المعسكر القطري الى المعسكر التركي تجري على قدم وساق، ولم يعد يمر أسبوع إلا ويبحر أحد العناصر الإخوانية المصرية الهاربة من معسكر الدوحة إلى معسكر إسطنبول، في إشارة واحدة لتصدع “تنظيم الحمدين”، نسبة إلى “حمد بن خليفة” و“حمد بن جاسم”، صانعي المعادلة القطرية منذ انقلاب بن خليفة على والده عام 1995.

وعزز المعسكر التركي من صفوفه أمام المعسكر القطري، أن الشيخ “حمد بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء قطر الأسبق رمى ثقله في المعسكر التركي”، على أمل أن تقوم أنقرة بتنصيبه على عرش قطر بدلًا عن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي قلص نفوذ ابن جاسم بدعم من والدته الشيخة موزة بنت ناصر آل مسند.

حسابات الهاربين من معسكر قطر إلى معسكر تركيا

حسابات الهاربين من معسكر قطر إلى معسكر تركيا، أن نظام “تميم” قد ضعف وأصبح مجرد تابع وخاضع للنظام التركي الذي سيطر على كل مقاليد الأمور في الدوحة عبر القاعدة العسكرية والاستخباراتية والتي بسببها أصبحت خزائن قطر من عوائد ثروات الغاز تحت تصرف الرئيس التركي ليعتمد عليها من وقت لآخر لدعم العملية التركية “الليرة” التي تعاني هبوطًا كبيرًا. بجانب أن هناك قطاعًا كبيرًا من العناصر والقيادات الإخوانية ترى في الشيخ تميم بن حمد حالة من الضعف، وأنه انتهي بالفعل وأن عملية استبداله مسألة وقت حتى لو كان البديل شيخ من آل ثاني غير ابن جاسم. كما أن إجراءات الرباعي العربي عام 2017 تعني عمليًا أن جنة الإسلاميين في قطر قد انتهت، وأن تركيا أصبحت المقر العملي والرسمي للمشروع الإسلامي الإخواني، وأن لغة الإسلاميين يجب أن تتغير من الخطاب القطري الإخواني إلى خطاب العثمانيين الجدد التركي.

ويتكتم الديوان الأميري القطري وفقًا لمصادر مطلعة “خليجية”، على خلاف حاد جرى بين الشيخ تميم بن حمد، ويوسف القرضاوي، أو مفتي الناتو كما يطلق عليه شباب الحركات السياسية التي شاركت في حربي ليبيا وسوريا، على ضوء إصداره الفتاوي الدينية التي دعمت تدخل الناتو في ليبيا عام 2011.

ضجر “القرضاوي” من إملاءات الشيخة موزة على تميم، وإصرار “الأمير الشاب” على الاعتماد على شخصية ذات توجهات مناوئة للمشروع التركي، وأبرزهم مستشاره الخاص “عزمي بشارة”، والذي سلّمه مفاتيح تحديد توجهات السياسية الخارجية القطرية وتكليفه بالإشراف على المنظومة الإعلامية والبحثية الممولة قطريًا، حيث تقوم هذه الإمبراطورية الإعلامية والبحثية على سياسة مسك العصا من المنتصف، بمعنى عدم وضع الثقل القطري كله في سلة الإخوان والإسلاميين، حتى لا يتم خسارة الحليف الأمريكي، والذي هبطت لديه أسهم قطر، وأصبح من النادر أن يجري مسؤول أمريكي اتصالًا بالدوحة، بعد أن كان البيت الأبيض على اتصال دائم على مستوي القادة مع قطر في سنوات أوباما، وهو أمر انتهى منذ مجيء ترامب في يناير 2017، ثم إجراءات الرباعي العربي في يونيو 2017.

القرضاوي حاول الصمت طويلًا

حاول القرضاوي وهو المحكوم عليه بالسجن في مصر في قضايا تتعلق بالإرهاب، الصمت طويلًا، ومساعدة تميم على استعادة التوازن أمام تركيا، أو أمام “جناح حمد بن جاسم”، ولكن موسم هجرة الإسلاميين والهاربين إلى الدوحة في اتجاه إسطنبول قد بدأ دون أن تلوح نهايته منذ صيف 2017، وأصبحت المواجهة بين تميم والقرضاوي حتمية.

استقطاب القرضاوي لم يحدث صدفة، أو مراجعة فكرية لدى الشيخ العجوز، المنتمي إلى أول جيل من الإخوان الهاربين إلى قطر، حيث وصلها عام 1961 وارتقى في المناصب القطرية والإخوانية حتى أصبح مفتيًا لقطر ثم مندوب قطر في التنظيم الدولي للإخوان بعد أن حصل على الجنسية القطرية.

ولكن أولى بذور الشك في نفس القرضاوي حيال الأمير تميم والشيخة موزة جرى في نوفمبر 2018، حينما عقد المؤتمر السنوي لاتحاد علماء المسلمين، وهو اتحاد منبثق عن التنظيم الدولي للإخوان وأسسته قطر بإيعاز من النظام التركي، ليصبح جناحها الدعوي على المستوي العالمي، وكلفت القرضاوي برئاسته منذ تأسيسه في لندن عام 2004، ولكن تميم وموزة قررا استبدال مفتي الناتو في نوفمبر 2018 بـ “أحمد الريسوني” رئيس حركة التوحيد والإصلاح احدى أذرع تنظيم الاخوان في المغرب.

وللمفارقة فإن اجتماع نوفمبر 2018 قد عقد في إسطنبول التركية، وحين لمست المخابرات التركية أثناء كواليس المؤتمر غضب القرضاوي من إزاحته، رتبت سلسلة اجتماعات بين القرضاوي ورجالات تركيا، في مقدمتهم “ياسين أقطاي” مستشار أردوغان، الساعي للعب دور “منظر العثمانيين الجدد الأول” عقب الخلاف الذي جرى بين أردوغان وأحمد داود أوغلو الذي ظل طيلة عقد من الزمن المستشار والمنظر الأول لحزب أردوغان.

وبتكليف من أردوغان والمخابرات التركية فإن أقطاي مسؤول عن ملف التواصل مع النخب العربية والترويج لمشروع الخلافة العثمانية الثانية، لذا لا عجب أن نرى صورًا لأقطاي في ميدان التحرير المصرية وسط عناصر ما يسمى بائتلافات شباب الثورة عام 2011.

ولما فرغ أقطاي من مهمته مع القرضاوي، تعددت اللقاءات في إسطنبول بين القرضاوي وعزام التميمي سمسار التمويل القطري لقنوات الإخوان في تركيا قبل أن ينفذ انقلابًا صامتًا على تميم ويستقر في جعبة الأتراك وكواليس قناة الشرق وقناة مكلمين.

ثم أتى الدور على وضاح خنفر لمجالسة القرضاوي في سلسلة لقاءات لم تعرف قطر عنها شيئًا إلا صيف 2020، وخنفر هو مدير عام قناة الجزيرة ما بين عامي 2003 و2011، أردني من أصل فلسطيني وعضو في تنظيم الاخوان بالأردن، كما نشط في صفوف حركة حماس بل وكان على اتصال بمكتب حماس في العاصمة السودانية الخرطوم حينما درس الماجستير.

أثناء رئاسته لقناة الجزيرة حولها إلى الجناح الإعلامي لتنظيم القاعدة وطالبان، فكان أشبه بضابط الاتصال بين التنظيمات الإرهابية في أفغانستان والإعلام القطري، ثم اتضح فيما بعد أن ذلك كان يتم بإشراف الاستخبارات الأمريكية.

عقب انتهاء دوره في قطر مع قناة الجزيرة، استقر في تركيا مؤسسًا موقع “هافجنتون بوست عربي”، ورغم فشل التجربة وإغلاق الموقع، فقد تم إطلاقه باسم آخر وهو “عربي بوست”، وقررت أنقرة الإبقاء على خنفر وتوسيع أنشطته في تركيا عبر تأسيس الأخير منتدى الشرق في إسطنبول عام 2012، ويحاول خنفر حاليًا أن يلعب في تركيا نفس الدور الذي يلعبه منافسه وغريمه الفلسطيني “عزمي بشارة” في حاشية تميم.

علاقة القرضاوي مع خنفر والتميمي ليست جديدة، فقد كان ثلاثتهم من حاشية حمد بن خليفة في الدوحة في سنوات ما قبل 2011، لذا اختارت المخابرات التركية الأسماء المعروفة للقرضاوي من أجل الجلوس معه في نوفمبر 2018 وعاد القرضاوي إلى الدوحة ليس كما غادرها، متبرمًا ومعترضًا بعيدًا عن شاشات الإعلام عما يقوم به تميم والشيخة موزة في إدارة شؤون قطر، خاصة بعدما علم أيضًا أن الشيخة موزة في مساعيها لإنهاء مقاطعة قطر أوصلت رسائل لدول الرباعي العربي أنها والشيخ تميم مجبرون على تقديم الدعم الاستراتيجي لتنظيم الإخوان، وأن تغيير هذا الوضع يحتاج لسنوات.

وفى صيف 2020 دقت ساعة كشف الخلاف علنًا، حيث لم يعد الديوان الأميري القطري قادرًا على كتم حدة الخلاف بين تميم والقرضاوي، ورغم أنه لا توجد أي قرارات رسمية حتى الآن من الشيخة موزة حيال القرضاوي. ولكن صمت تميم حتى الآن يحمل مرارة الخذلان والخيانة على ضوء توقعه أن القرضاوي صنيعة أبيه لن ينقلب عليه قط في صراعه مع حمد بن جاسم المدعوم من العثمانيين الجدد في تركيا.

خسر الأمير تميم والشيخة موزة دعم يوسف القرضاوي، ما يعني عمليًا أن الدوحة على موعد مع انشقاقات مكثفة في الفترة المقبلة، رغم أن القرضاوي محدود النفوذ خارج قطر على ضوء فشله في سنوات الربيع العربي إلا أن نفوذه المعنوي قوي داخل قطر، وتلك كانت لعبة حمد بن جاسم آل ثاني الساعي لسحب البساط من أسفل أقدام تميم وموزة بدعم من رجب طيب أردوغان.

زر الذهاب إلى الأعلى