اختيار إبراهيم منير.. بين تجاوز تقاليد التنظيم وانهيار مبدأ السمع والطاعة
يبدو أن تداعيات القبض على “محمود عزت” بدأت تصيب الجماعة أسرع مما كان يتوقع المتابعون، فبعد مرور نحو أسبوع على وقوع العقل المدبر والأب الروحي للعنف داخل الجماعة تم الإعلان عن تعيين إبراهيم منير” مرشا عاقا الأمر الذي ترك مجموعة من الملاحظات والتي يمكن تحديدها فيما يلي:
أولا : تجاوز تقاليد التنظيم، تمر جماعة الإخوان بأصعب المراحل منذ تأسيسها على يد “حسن البنا”، وقد كانت ثورة 30 يونيو نقطة تحول ولحظة فارقة في طريق انهيار هذه الجماعة ومنذ ذلك الحين بدأ التنظيم يصاب بحالة من التشرذم. ويمثل اختيار “منير” تجاوزا لأعراف ولوائح التنظيم فيما يتعلق باختيار المرشد أو القائم بأعماله، فلأول مرة يتم اختيار المرشد وهو خارج مصر باعتبارها دولة المنشأ أو الميلاد، كما أن آلية الاختيار هذه المرة لم تأتي عبر قيام أعضاء مجلس شورى الجماعة بانتخاب مرشدهم، في الوقت ذاته افتقد الاختيار للتوافق المعتاد، حيث اظهرت ردود الفعل الأولى أن مبدأ “الولاية للمرشد” وما يتبعه من سمع طاعة قد غابت في هذه الحالة بسبب رفض تيار كبير داخل الجماعه وتمرده على قرار اختيار “إبراهيم” منير .
ثانيا : استعراض التماسك. يبدو أن اختيار “إبراهيم مني” ليتولى زمام الأمور داخل تنظيم الإخوان خلقا ل”محمود عزت” هي محاولة من التنظيم لاستعراض التماسك ومحاولة إثبات أن الجماعه كان لديها خطة بديلة في حالة سقوط رأس الهرم التنظيمي ومهندس عمليات الجماعة، ويمكن ملاحظة أن الجماعة من خلال هذه الخطوة تعمل على إيصال رسالة فحواها أنها لا تزال على قيد الحياة ولديها القدرة على العودة للمشهد والاستمرار رغم الخسائر والضربات التي تتعرض لها.
ثالثا: الإصرار على التيار القطي، يأتي اختيار مني” للقيادة ليظهر قناعة الجماعة بأن النهج القطبي هو الأنسب في هذه الفترة، وأن رجالات الحرس القديم هم الأجدر على تولى عملية الحفاظ على الجماعة إذ ينظر إلى “منير” والذي يعتبر بمثابة مهندس لتحركات الإخوان في الخارج بأنه لديه القدرة على قيادة هذه الفترة رغم عدم تمتعه بمقومات القيادة مقارنة بمن سبقوه، ويحاول المناصرون لاخيتار “منير” الترويج لأن هناك وثيقة غير معلنة تشير إلى قيام “محمود عزت” بتعيين “إبراهيم منير” نائبا له منذ 2016، رغم ذلك يشكك التيار المناهض لاختيار “إبراهيم منير” في صحة هذه الوثيقة على أساس أنها مزورة وتم إعدادها حتى يصبح الأمر في مقلة التكليف الواجب اتباعه.
رابعا : انهيار مبدأ السمع والطاعة، مثلت حالة التمرد التي أعقبت قرار اختيار إبراهيم منير” دليلا واضحا على أن الجماعة تمر بحالة غير مسبوقة من التخبط وفقدان السيطرة على القواعد والمؤيدين، كما أوضحت أن مركزية القرار باعتباره أحد أبرز المزايا التي كانت تتمتع بها الجماعة لم تعد تملكها، إذ جاءت ردة الفعل وحالة الاستياء والغضب واتهام الشباب لمنير” وعدم قبولهم بقيادته لتهدر هيبة المرشد ومكانته في قلوب وعقول القواعد كما يتوقع أن تصبح كافة قراراته غير ملزمة ومن ثم يفتقد للتأثير وعليه قد يؤدي الأمر إلى نوع من اللامركزية داخل القيادة بحيث تصبح الجماعة جماعات وقد تنقلب الأمور رأسا على عقب.
خامسا: القيادة عبر الدول الراعية، منذ تأسيس جماعة الإخوان وهي تقوم بدور الجماعة الوظيفية وتعمل بصورة دائمة على تنفيذ أجندة عدد من الدول التي تقوم بتمويلها ورعايتها لتحقيق عدد من الأهداف السياسية وفي ظل صراع الاجنحة الحالي بين تيارات الإخوان يمكن ملاحظة أن وجود المرشد قد يأخذ مظهرا صورنيا في حين تتصاعد فكرة ومبدأ القيادة عبر مكتب أحد الدول الراعية لهذه الاجنحة سواء من خلال تركيا أو قطر أو عبر مكتب لندن.
ماذا بعد إبراهيم مني؟
لا شك أن هناك حالة من الانكشاف تعانيها الجماعة في الوقت الراهن، كما أن المأزق الراهن قد يكتب شهادة وفاة الجماعة أو على أقل تقدير قديصيبها بهزة شديدة قد تؤثر بشكل كبير على مستقبلها في الداخل أو عبر أفرعها الخارجية؛ إذ أظهرت الفترة الماضية نوعا من التخبط والصراع بين الأجيال القديمة والشباب.
وترتيباً على ما سبق، سوف تعمل الجماعة على محاولة ترميم وضعها الحالي وتجاوز هذا المأزق ريغا وذلك العدد من الأهداف الرئيسية من بينها: حاجة الجماعة لعدم الاستسلام والحفاظ على صورتها ومن ثم استكمال أجندتها ومساعيها لامتلاك التأثير في عدد من الأقطار العربية، في الوقت ذاته ستعمل الجماعة على استعادة توازنها حفاظا على الأموال التي تحصل عليها من خلال الدول التي تقدم لها الدعم والرعاية.
إلا أن هذه المحاولات سوف تحاط بعدد من القيود من بينها: غياب الثقة بين قيادات الجماعة وقواعدها الأمر الذي قد يتصاعد أكثر على خلفية التباينات بين الحرس القديم والشباب والقيادات الوسطى، خاصة وأن شباب التنظيم وقواعده باتت تنظر لقيادات الجيل الأول على أنهم تخلوا عنهم وتسببوا في هذا الوضع الذي تمر به الجماعه باعتبارهم المسؤولين الحقيقين عن انهيار وتراجع الجماعة، كما أن هناك حالة من التخوين داخل صفوف الجماعة؛ إذ ظهر تيار في أعقاب القبض على محمود عزت يتهم بعض القيادات بالتعاون مع أجهزة الأمن والإبلاغ عن مكان محمود عزت رغم أن هذه الرواية غير صحيحة: إذ أن عملية القبض على عزت جاءت عبر رصد وتتبع ومجهود أمني مكثف.
كل هذا المشهد بجانب مواصلة الدولة المصرية والأجهزة الأمنية تطويق وتحجيم نفوذ وتحركات هذه الجماعه ينتهي إلى حقيقة واحدة وهي أن جماعة الإخوان في مرحلة ما قبل القبض على محمود عزت سوف تختلف كثيرا عن مرحلة ما بعد اختيار إبراهيم منير، وسوف تعيش الجماعة حالة من الانهيار العميق والتأثيرات المتتالية، في ظل غياب القيادات المؤثرة.