عادت من جديد قطاعات من المجتمع الجزائري، من بينها مجاهدو حرب التحرير، لمطالبتها فرنسا بالاعتراف بالجريمة الاستعمارية، وتقديم اعتذار عنها، ودفع تعويضات. وفقا لصحيفة الشرق الأوسط في تقرير لها.
وجرت أمس بفرنسا والجزائر مراسيم الاحتفال بذكرى مرور ستين عاماً على توقيع اتفاقيات إيفيان (19 مارس «آذار» 1962) التي مهدت لاستقلال الجزائر. وقال ماكرون بالمناسبة إنه «مقتنع بنهج اليد الممدودة للجزائر»؛ مذكّراً في هذا السياق بكل المبادرات التي اتُّخذت منذ سنة 2017 لـ«تهدئة» ذاكرة هذه الحرب المؤلمة، ومعترفاً بأنها أثارت «مشاعر استياء» في فرنسا، كما في الجزائر.
ودُعي نحو مائتي شخصية إلى قاعة الحفلات في القصر الرئاسي في «الإليزيه»، يمثلون الشهود على كل الوقائع المرتبطة بالحرب الجزائرية، من مجندين ومقاتلين واستقلاليين وحركيين، وعائدين إلى فرنسا.
وقال ماكرون للحاضرين: «سيقول لي كثيرون إنك تفعل كل هذا؛ لكنك لست جدياً؛ لأن الجزائر لا تتحرك. وفي كل مرة كان يواجه كل من سبقوني الأمر نفسه»؛ مضيفاً: «أعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تسلك فيه الجزائر هذا الطريق».
ولم يحضر المراسم في القصر الرئاسي أي مسؤول جزائري، على الرغم من دعوة السفير الجزائري في باريس، محمد عنتر داود، بحسب «الإليزيه».
من جهته، أكد رئيس «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى) بالجزائر، إبراهيم بوغالي، أمس، في خطاب بالمناسبة التي تسمى رسمياً «عيد النصر»، أن الشعب الجزائري «أدرك قيمة الوطن بعد معاناة من ويلات المستعمر الغاصب»؛ مبرزاً أن «لحمتنا الوطنية التي تظهر في كل مناسبة، ما هي إلا دليل على وعي الشعب الجزائري الحر الكريم، بما يحاك لنا من المتربصين بنا، والذين باؤوا وسيبوؤون بالخسران».
وأشاد بوغالي بـ«الوحدة بين الشعب الأبي وجيشه القوي؛ وحدة واحدة لا تنفصل ولا تنفصم، ما دامت بلادنا قد عزمت على المضي قدماً نحو التطور والازدهار، في كنف الرؤية الجديدة التي حددها برنامج السيد عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية، من خلال ما يتجسد يومياً، ويتحقـق من الوعود التي تعهد بها للشعب الجزائري».
ودعا بوغالي إلى «الوقوف في وجه كل من تسول له نفسه النيل من الوطن ومن تاريخه المجيد»، وإلى «الإخلاص له والدفاع عنه، وذلك في سبيل رقيه».
وأضاف بوغالي أن «هذا العيد يعبر عن الاعتزاز بتضحيات أمتنا الجزائرية، وإننا اليوم نجدد العهد للوطن، إخلاصاً ودفاعاً عنه». وتابع قائلاً: «ستون عاماً مرت على يوم خالد من أيام وطننا. ففي مثل هذا اليوم من عام 1962، كُلل جهاد أمتنا الجزائرية بالنصر المبين، واستعاد الشعب الجزائري حريته السليبة، وحرر أرضه الطيبة بدماء زكية طاهرة، وبنضالات رجال ونساء صدقوا ما عاهدوا الله عليه»؛ مبرزاً أن 19 مارس «يوم مشهود في تاريخنا، يوم يحق لنا فيه أن نفتخر ونعتز فيه بمآثر آبائنا وأجدادنا، وأن نتذكر بطولات شهدائنا ومجاهدينا الميامين».
وأقامت «المنظمة الوطنية للمجاهدين» (مقربة من الحكومة)، أمس، بمقرها، حفلاً تميز بإلقاء محاضرات تاريخية حول حرب التحرير. وشدد أعضاؤها على «مسألة الاعتذار»، وهو ما ترفضه فرنسا بشكل قاطع.
وكان الرئيس عبد المجيد تبون، قد أكد أول من أمس، في خطاب، أن «جرائم الاستعمار لن تسقط بالتقادم، ولن يطالها النسيان»، ودعا باريس إلى «معالجة مسؤولة ومنصفة ونزيهة لملف الذاكرة والتاريخ، في أجواء المصارحة والثقة». وتطالب الجزائر بـ«اعتراف شامل بجرائم الاستعمار، بدل المبادرات المجزأة»، بينما تشهد العلاقات بين البلدين تهدئة بعد عامين من التوتر.
ويهدف إحياء هذه الذكرى إلى تحقيق «مصالحة»، وإرساء «تهدئة» على غرار المناسبات السابقة التي تم تنظيمها، منذ بداية ولاية ماكرون حول حرب الجزائر. وذكَّر «الإليزيه» بأن ماكرون سعى من خلال سلسلة من المبادرات إلى إرساء مصالحة بين فرنسا والجزائر، وكذلك بين «الذاكرات المجزأة في فرنسا».
وبتوصيات من المؤرخ الفرنسي الشهير، بنجامان ستورا، اعترف ماكرون بمسؤولية الجيش الفرنسي عن موت عالم الرياضيات الشيوعي موريس أودان، والمحامي القومي علي بومنجل، خلال معركة الجزائر العاصمة في 1957.
وأقيم في بلدة أمبواز الفرنسية (وسط) نصب في ذكرى عبد القادر، البطل الوطني الجزائري في رفض الوجود الاستعماري الفرنسي، وأعيدت جماجم مقاتلي المقاومة الجزائرية في القرن التاسع عشر إلى الجزائر؛ لكن الجزائر التي تطالب فرنسا باعتذار رسمي عن الاستعمار لم تتابع هذا العمل المتعلق بالذاكرة؛ إلا أن «الإليزيه» قال: «إنها يد ممدودة وستظل ممدودة».